البرنامج العام:
تمهيد عام :
1 ــ
المحور الأول: مختارات شعرية غير مرتبة:
ــ
مبحث 1 : " المفضليات "، للمفضل الضبي
( ت 178 هج )
ــ
مبحث 2 : " الأصمعيات "، للأصمعي (
ــ 216 هج )
ــ
مبحث 3 : " الأشباه والنظائر"،
للخالديين، (أبي بكر محمد (ــ 380 هج) وأبي عثمان سعيد (ــ 390 هج)
2 ــ
المحور الثاني: مختارات مرتبة ومبوبة، (الحماسات)
ــ
مبحث 4 : " الحماسة الكبرى"، لأبي
تمام حبيب بن أوس الطائي (ــ 231 هج)
ــ مبحث 5 :
" الحماسة الصغرى"، أو كتاب "الوحشيات" لأبي تمام أيضا.
ــ مبحث 6 :
" الحماسة البحترية"، لأبي عبادة الوليد بن البحتري (ــ 284 هج)
ــ مبحث 7 :
" الحماسة الشجرية"، لابن الشجري (ــ524 هج)
ــ مبحث 8 : " الحماسة البصرية"، لصدر الدين علي بن أبي الفرج البصري
(ــ 659 هج)
ــ
مبحث 9 : " الحماسة المغربية"،
لأبي العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي (ــ 609 هج)
3 ــ المحور الثالث: أهم شروح
الاختيارات:
القسم
الأول: شروح المفضليات:
ــ مبحث 10 : " شرح اختيارات المفضل بن محمد " للخطيب التبريزي ( ــ
502 هج )
ــ
مبحث 11 : كتاب " الاختيارين: المفضليات
والأصمعيات، صنعة الأخفش الصغير ( ــ 315 هج ).
القسم
الثاني: شروح حماسة أبي تمام:
ــ
مبحث 12 : شرح حماسة أبي تمام، بصنعة المرزوقي (
ــ 421 هج )
ــ
مبحث 13 : شرح حماسة أبي تمام بصنعة التبريزي
( ــ 502 هج )
ــ مبحث 14 :
شرح حماسة أبي تمام بصنعة وترتيب الأعلم الشنتمري ( ــ 476 هج )
المصادر والمراجع: سنعرض لها تباعا في مواضعها المناسبة من المحاضرات، فهي الدعامة الأساسية لهذا المقرر، والعون الكبير للطلبة على فهم واستيعاب الشعر العربي القديم
ــ تمهيد عام:
تهدف هذه المحاضرات إلى التعريف بأهم مُختارات الشعر العربي القديم
وبشروحها المُعتبرة المُفيدة. فقد كان العصر العباسي، بما عَرفه من تطور ثقافي
وحضاري مُذهلين، مُناسبا جدا لتدوين ذَخيرة الأشعار العربية التي تأدًت إليه عبرَ
الرواية الشفوية المُتوارَثة منذ "العصر الجاهلي". ولاشك أن حركةَ
جَمْعِ الشعر من طُرُق المُناولة المُتاحَة في العهد الأموي عن الأولين قد سبقت
اختيارَ هذا الشعر وترتيبَه وتبويبَه قبل أن يستقر على صورته النهائية لاحقا، في
كتب ومصنفات مخصوصة، وكثير منها الآن مطبوع ومُتاح لأهل الاختصاص والمهتمين وعموم
الطلبة.
وقد انتظمَت هذه المختاراتُ، منذ البدء، في حلقات التدريس لأغراض عِلمية
وتعليمية لأنها أهم مصدر للشعر العربي القديم بعد المُعلقات وشعر القبائل والطبقات
ودواوين الشعراء المُفردة، بل إنها اشتملت على أشعار قد لا توجد في غيرها.
ثم توفرت لهذه المُختارات شروحٌ عديدة ومتنوعة لا تقل أهمية عن الأشعار
التي تضمنتها لِما جَلبته من فوائدَ وتنبيهات ومقارنات وتصويبات وإضاءات زادت تلك
الأشعارَ المُنتقاةَ وضوحا في فهم ناشئة اللغة والأدب، من قَبيل شرح الغريب،
والتعريف بالظروف المحيطة بالأشعار المُختارة، وصلة ذلك كله بالأغراض الشعرية
العربية المعروفة، وبمذاهب الشعراء المُختلفة في تَشقِيق ضروب الكلام العربي.
ولم يكن تصنيفُ الاختيارات الشعرية مُقتصرا على المشارقة وحدهم، فقد كان
لأهل المغرب والأندلس إسهام واضح فيها أيضا، وزادوا على الاختيارات المشرقية ما
عُرف بأرضهم من شعر فأضافوه إلى مجاميعهم، كما نافسوا أهل المشرق في الشرح المُسهب
والمتوسط والمُختصر، وفي استنباط الأسرار المحيطة بتلك الأشعار المنتقاة، من لغة
ونحو وإعراب وصرف وبلاغة وقضايا خِلافية.
وهذه المختارات التي اكتنزت بأفضل ما قالته العرب من المعاني الشعرية إنما
تعكس مدى احتفاء واهتمام أصحابها بالشعر العربي القديم غَيرة وإِعزازا، قبل أن
تعكس ذوقَهم في الاختيار ومذاهبَهم المختلفة المتفاوتة في التعليل والنقد، وفي
الشرح، وفي الترتيب. فكل شارح اجتهد في تصوير المعنى الذي اختاره في ذهنه بفهمه
وأسلوبه وإحساسه وذائقته قبل أن يعرضه على الناس، وهو في ذلك كله قد يكون مُوافِقا
أو مُخالِفا لغيره.
ولذلك فشروح هذه الاختيارات لا تقل أهمية عن محتواها الشعري، وبعضها قد
صُدِر بمقدمات وعتبات تمهيدية مهمة، مما يمكن أن يُعَد من صميم النقد الأدبي
الرصين، كمقدمة المرزوقي التي سبقت شرحه ل"حَماسة" أبي تمام، وقد تحدث
فيها عن صناعة الشعر ونقدِه ومعايير الجودة المطلوبة في تلك الصناعة، وكما في كتاب
"الأشباه والنظائر" للخالديين حيث عمِلا على تتبع المعاني الشعرية في
نموها وتطورها عند الشعراء السابقين واللاحقين قُدامى ومحدثين، مع المُقابلة
والمُوازنة عند وضع النظير مع النظير، والتنبيه إلى المعاني المسبوقة والمُقلدة
والمُنقحَة تنقيحا جيدا يوصلها إلى الصيغة النهائية والحد التام الذي لا مَزيد
عليه.
وفضلا عن ذلك كله فقد ضمت هذه الاختياراتُ أكثرَ شواهدِ العربية التي
احتاجها العلماءُ عند التصنيف في علوم أخرى مرتبطة كاللغة والنحو والبلاغة والنقد
وأخرى ذات صلة كالتفسير والحديث وغير ذلك.
وتيسيرا على الطالب فقد قدمنا هذه المختارات وما يرتبط بها من شروح في
ثلاثة محاور أساسية: المحور الأول ويشمل مختارات غير مرتبة ، والثاني يشمل مختارات
مرتبة ومبوبة، أما الثالث فقد خصصناه لأهم شروح الاختيارات.
وعلى العموم، قد اخترنا للطلبة أجود المختارات
الشعرية العربية القديمة، وهم مطالبون الآن بقراءة ما تيسر لهم من نماذجها
الشعرية، مع شروحها، لتكون عونا لهم على الفهم والمقارنة والاستنتاج، وليتعودوا من
خلالها على قراءة الشعر العربي القديم وتذوقه، انطلاقا من متونه الأولى ومصادره
الأصيلة الرصينة، متوخين في كل ما عرضناه الأسلوب المُختصر المُفيد.
ــ المحور
الأول: مختارات شعرية غير مرتبة:
ــ
مبحث 1: كتاب " المُفضليات ":
وهذا الاختيار الشعري هو الأقدمُ والأصح والأفضل،
للمُفضل الضبي.
وسُمي ب "المُفضليات" نسبة إلى صاحبه
المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم الضبي الكوفي اللغوي، علامة وراوية
للأخبار والآداب وأيام العرب، وهو فوق ذلك أحد القراء الذين أخذوا عن عاصم، يُرجح
أنه توفي في سنة 178 هجرية. قال عنه محمد بن سلام الجُمحي في طبقات الشعراء:
"وأعلَمُ من ورَد علينا من غير أهل البصرة المفضلُ بن محمد الضبي
الكوفي".
وكتاب المفضلياتُ أقدمُ ما وصلنا من الاختيارات الشعرية، بَعد المعلقات
التي انتقاها حماد الراوية من قبل، وكان حماد الرواية قد نبه الناس إلى فضلها
وقيمتها اللغوية والأدبية والفنية. وهي عنده سبع معلقات فقط، ثم ارتفع عددها إلى
عشر معلقات في نهاية المطاف، كما هو
معروف.
ولكن، يبقى المفضل الضبي أولَ من صنع للناس
اختيارا جامعا مُطولا من الشعر العربي القديم يرجعون إليه عند الحاجة، إذ كانت
الاختيارات من قبله عشوائية تقومُ على الأبيات القليلة أو على الأبيات المُفردة
عندما يُراد الحديثُ عن أمدح بيت أو أفخره، على سبيل المثال.
وكان غرضُ المفضل الأول في اختياره تعليميا،
وخاصة عندما جعله الخليفةُ العباسي أبو جعفر المنصور مُؤدِبا لابنه وولي عهده
المهدي بعد أن عفا عنه لاشتراكه في ثورة العلويين ضد العباسيين سنة 143 هج، وكانت
الدولة العباسية حينذاك في أول ظهورها وفي كامل قوتها.
واتجه
المُفضل الضبي، منذ البدء، للقصيد العربي المُصفى المُنتقى من غير ترتيب ولا
تبويب، سواء وِفقَ الأبواب أو وفقَ الأغراض أو وفقَ المَعاني. ويبقى الخيط الناظم
لمجموع ما اختاره الذوقُ العربي الأصيل والجزالة اللغوية، وكأن الأشعار التي ضمها
اختيار المفضل، بخصائصها المشتركة، قد صدرت عن شاعر واحد لا عن شعراءَ كُثر
مُختلفين في المكان والزمان.
وكان ابن النديم من القدماء الذين أشاروا إلى اختيار المفضل الضبي هذا في
كتابه "الفهرست" وقدم معلومات توثيقيةً مهمة عن سبب تأليف
"المفضليات" وعن أصح رواياتها وعن عدد قصائدها، قال: "وللمَهدي
عمِلَ الأشعارَ المُختارةَ المسماةَ المُفضليات، وهي مائة وثمانية وعشرون قصيدة،
وقد تزيد وتنقص، وتتقدم القصائد وتتأخر بحسب الرواية عنه، والصحيحةُ التي رواها
ابن الأعرابي". وقال الأنباري في أول شرحه للمُفضليات ــ وهو من أقدم شُراحها
ــ موضحا سبب تسميتها بالمفضليات أيضا: "وحُدثتُ أن أبا جعفر المنصور تقدم
إلى المُفضل في اختيار قصائدَ للمهدي، فاختار له هذه القصائد، فلذلك نُسبت إلى
المُفضل".
وقد صَدرت المفضلياتُ في طبعات عديدة قديمة وحديثة، ومن أقدم طبعاتها طبعة
ليبزيج سنة 1885م
والنسخة التي اعتمدناها واقترحناها للطلبة من
المفضليات من تحقيق وعناية الأستاذين الفاضلين أحمد محمود شاكر وعبد السلام محمد
هارون، الطبعة السادسة، دار المعارف بمصر. وصدرت في جزأين، وتضم بين دفتيها 130
قصيدة، وأما مجموع أبياتها فيبلغ 2727 بيتا، حسب إحصاء المُحقِقين. وقد رُتبت
قصائدُ المفضليات في هذه الطبعة بشكل رقمي متسلسل، بالنسبة للقصائد وكذلك
بالنسبة للأبيات داخل كل قصيدة حتى يسهل
على الطالب الاهتداء إليها بسهولة داخل هذا المتن الشعري التليد.
ــ
مبحث 2: كتاب " الأصمعيات ":
وهذا الاختيار قَرينُ "المفضليات"،
للأصمعي:
وسُمي ب "الأصمعيات" نسبة إلى صاحبه الأصمعي، وهو أبو سعيد عبد
الملك بن قُريب (122 ــ 216 هج). كان بحرا في اللغة غزيرَ الحِفظ كثيرَ الرواية،
وقد تحدث عنه ابن النديم أيضا، وعرض له قائمة كبيرة من مؤلفاته ورسائله التي طُبع
كثير منها الآن، وكان معاصرا للمفضل الضبي غير أن المفضل أقدم منه وأسبق.
و"الأصمعيات" ك"المفضليات" لم تُرَتب على قاعدة
معروفة، وتَقترنُ بها اقترانا كبيرا، بل يذهب البعض إلى أنها مع المفضليات كأنهما
كتاب واحد، أو بالأحرى، كتابان دخل بعضهما في بعض، ولذلك وُصفت بأنها "بقيةُ
الأصمعيات التي أُخِلت بها المفضليات"، كما ورد في نسختها الشنقيطية (نسبة
إلى العلامة محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي)، مما يدل على أنها يمكن أن
تكون دخلت في المُفضليات وامتزجت بها. وفعل"أخِل" المبني للمجهول هنا،
بمعنى التخَلل أي الاختلاط والامتزاج لا معنى الأِخلال الذي يُراد به التفريط والتقصير.
وعلى العموم، فتداخلُ المفضليات والأصمعيات
موضوع خِلافي كبير طال حوله النقاش ولا يمكن حسمُه برأي قاطع لاختلاف النسخ
المتبقية من المفضليات والأصمعيات، ولاختلاف رواياتهما معا. ومما يؤكد هذا
الاقتران أو التداخل التقاؤهما معا في كتاب " الاختيارين " للأخفش
الأصغر الذي سنتحدث عنه لاحقا في قسم الشروح، وهو قريب العهد بهما.
ولكن الأصمعيات لم تحظ بما حظيت به المُفضليات
من الاهتمام والثناء والانتشار والقبول، ربما لأنها أقل اشتمالا على الغريب
اللغوي، ولأن أسلوبها يجنح أكثر إلى اختصار الروايات التي يتطلبها عمل الشعر عند
جمعه وتمحيصه.
وأقدم طبعات الأصمعيات طبعة ليبزيج في ألمانيا
سنة 1902م، بعناية المستشرق الألماني وليم بن آلورد البروسي الذي تصرف فيها ورتب
قصائدها على حروف المعجم.
اما الطبعتان اللتان اعتمدناهما واقترحناهما
للطلبة فهما:
أ ــ طبعة أولى بتحقيق العالمين الفاضلين أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد
هارون، (الطبعة الخامسة، بيروت، لبنان ). وقد صدرت في جزء واحد، وبلغ عدد قصائدها
92 قصيدة، ومجموع أبياتها 2681 بيتا، حسب إحصاء المحققين.
ب ــ طبعة أخيرة بتحقيق الدكتور محمد نبيل طريفي. وقد وصفها المحقق بأنها
كاملة ومُنقحة، وقال: إنه اجتهد في سد الخلل الذي شاب الطبعات السابقة، كما قام
بترميم النصوص الناقصة في الأصمعيات، وحذف النصوص الزائدة فيها التي أتتها من
المُفضليات واختلطت بها. فكانت نتيجة الغربلة والتصفية أن ضمت 55 قصيدة فقط،
بالإضافة إلى ملحق خاص بالزيادات بلغ مجموع قصائده 17 قصيدة. وصدرت هذه الطبعة عن
دار صادر في بيروت.
ــ
مبحث 3: كتاب " الأشباه والنظائر من
أشعار المتقدمين والجاهلية والمخضرمين
"، للخالديين:
والخالديان هما: أبو بكر محمد (ــ 380 هج)
وأبو عثمان سعيد (ــ 390 هج) ابني هاشم، الأديبان والشاعران الموصليان (نسبة إلى
مدينة الموصل بالعراق).
تجمعهما فوق أخُوة النسب أخوة الأدب،
وكأنهما كانا يعيشان بجسد واحد وينتعشان بروح أدبية واحدة، ويشتركان معا في قرض
الشعر وروايته ومُدارسته ونقده. ولذلك فالذي يخوض في أمرهما لا يملك إلا أن
يجمعَهما في نطاق واحد، ويتكلمَ عنهما جُملة واحدة دون فصل أو تمييز، كما أشار إلى
ذلك الثعالبي في "يتيمته". كما كانا من المُنضمين إلى حاشية سيف الدولة
أيام اتصال المتنبي به في الربع الثاني من القرن الرابع الهجري. ومن أشهر ما عُرف
عنهما مُخاصمَتهما للشاعر السَري الرفاء حول تهمة السرقات الشعرية المُتبادلة.
وقد التبس أمر هذا الاختيار الشعري على
بعض القدماء فأدرجوه ضمن الكتب الحماسية، وسماه البعض ب "حماسة
الخالديين" كما عند ابن النديم المذكور آنفا، على سبيل المثال.
ولكنه، في الحقيقة، لا يتجاوز أن يكون
اختيارا عاما يجمع شعرَ القدماء والمحدثين وبعض الشعراء الذين عاصروا الخالديين
جنبا إلى جنب، وكأن الكتاب وليدُ النزاع المتجدد دوما حول مسألة القديم والحديث
والتابع والمتبوع التي اشتد أُوارُها في القرن الثاني مع أبي نواس ومسلم بن الوليد
وأضرابهما، ثم استفحلت في القرن الثالث مع أبي تمام والبحتري، ثم بلغت ذروتها في
القرن الرابع مع المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، كما قيل عنه قديما، وهو من
هذه الناحية يمكن أن يكون مرتبطا أكثر بالنقد والبلاغة والموازنات.
ولا يزعم الخالديان أنهما قد أتيا بشيء
جديد خارج عن المألوف في كتابهما هذا، بل لقد عبرا عن تواضُعهما عندما أقرا بأن
عملهما هذا لا يتعدى الجمع والتأليف بين بديع المعاني وطريف الاستعارات والتشبيهات
منوهَين بفضل من تقدم وسبق إلى المعاني البكر الجديدة، وبمن تأخر به الزمن فتجاوز
السابقين وأبدع.
ويقوم منهجهما على الإكثار من شعر
المغمورين والمجهولين لكثرة شعر المعروفين بين الناس في زمنهما، قالا: "
نُضَمِن رسالتنا هذه مُختارَ ما وقع إلينا من أشعار الجاهلية ومن تبعهم من
المخضرمين ونجتنبُ أشعارَ المشاهير لكثرتها في أيدي الناس، فلا نذكر منها إلا
الشيء اليسير، ولا نُخليها من غُرر ما رويناه للمحدَثين، ونَذكرُ أشياءَ من
النظائر إذا وردت، والإجازات إذا عَنت، ونتكلم عن المعاني المُخترعَة
والمُتبعَة".
وخُطتهما في كتابهما هذا بسيطة لا
تتجاوز عرض قِطع مُختارة من شعر المتقدمين والمخضرمين والمحدثين مع توضيحات لبعض
القضايا الغامضة، وتنبيهات نقدية وبلاغية كثيرة لا تخلو من فوائد.
وهو ك"المفضليات"
و"الأصمعيات"يخلو من أي ترتيب أو تبويب، ولا يعتمدُ خطة ثابتة واضحة في
عرض الأشعار، قال صاحب "الحماسة البَصْرية" عن اختيار الخالديين: "
ولم يُقيدا (الخالديان) الكتاب بترجمة أبواب، فعُدت فرائدَ مُتبدِدة الانتظام
مُستعصية على الحِفظ والإفهام".
والخلاصة أنه كتاب متميز عن باقي
المختارات الشعرية، فلا هو مجموع خاص محصور بالانتماء كشعر القبائل واللصوص مثلا،
ولا هو مجموع قصائد كاملة أو شبه كاملة ك"المفضليات" والأصمعيات"
و"جمهرة أشعار العرب"، ولا هو مجموع مقطوعات مُبوبة كالحماسات، ولا
مجموع أبيات تدور حول غرض شعري معين، أو موضوع معنوي واحد كموضوع الحب، كما نجد في
كتاب "الزهرة" لأبي بكر داود الأصفهاني على سبيل المثال.
وخاصية "الأشباه والنظائر"
في هذا الاختيارهي ميزته الكبرى التي تجعله يختلف عن باقي المختارات الشعرية
العربية القديمة، خاصة وأنها تتيح إمكانيات شتى للمقارنة والموازنة بين شعراء
متقدمين وآخرين لاحقين ومعاصرين. والأمثلة الشعرية التي يعرضها الخالديان لكثير من
الشعراء يَنظرُ بعضُها إلى بعض وتتكامل فيما بينها من حيث الإرشاد إلى أفضلِ
المعاني وأكثرِها أصالة وجودة.
والنسخة المطبوعة التي نقترحها على
الطلبة من " الأشباه والنظائر" بتحقيق وتعليق الدكتور السيد محمد يوسف،
طُبعت في القاهرة عن لجنة التأليف والترجمة، في جزأين.
كما ننبه إلى صدور مختصر من كتاب
الأشباه والنظائر، باختيار وتعليق الدكتور محمد علي دقة، وصدر عن منشورات وزارة
الثقافة، سوريا، 1995، ضمن سلسلة "المختار من التراث العربي"، رقم: 61
ــ المحور
الثاني: مختارات مرتبة ومبوبة: ( الحماسات ):
ــ مبحث 4:
الحماسة الكبرى، لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي الشاعر ( ــ 231 هج)
الحماسة في مدلولها اللغوي تعني
البسالة والشجاعة في الحرب وفي المواقف العظيمة.
وكتاب "الحماسة" للشاعر
العباسي أبي تمام أشهرُ اختيار شعري بعد كتاب "المُفضليات" غير أنه يزيد
عليه في مواد الشعر ويختلف عنه لأنه مضبوط بالتبويب المُحكم، إذ تقوم حماسة أبي
تمام، في مجموعها، على عشرة أغراض شعرية معروفة هي نفسها أبواب الكتاب.
وكان أبو تمام سباقا إلى هذا النهج المُبوب في الاختيار ثم تابعه فيه كثيرون ممن
عُرفت كتبهم ب "الحماسات" أيضا اقتداء بصنيعه، ومن باب الاعتراف بفضل
السبق لصاحبه.
وإنما سُمي هذا الاختيار
ب"الحماسة" مجازا نسبة إلى أول أبوابه وهو باب الحماسة، على خلاف معظم
الاختيارات التي نُسبت إلى أسماء أصحابها. ويلي باب الحماسة الأول1 تسعة أبواب
أخرى هي: باب المراثي2، وباب الأدب3، وباب النسيب4، وباب الهجاء5، وباب الأضياف
والمديح6، وباب الصفات 7، وباب السير والنعاس8 وباب المُلح9، وباب مَذمة النساء10.
ومن الذين أشاروا إلى اسم هذا الاختيار
قديما وورد اسم "الحماسة" في عناوين مؤلفاتهم ابن جني في كتابه:
"شرح مشكلات الحماسة" أما التبريزي فقد ذكر اسمها وقصة تأليف أبي تمام
لها في مقدمة شرحه لها أيضا، وهي قصة طريفة يصح أن نقول معها" جزى الله الثلج
عنا خيرا"، فلولا حاجزالثلج الذي
أجبره على المكوث في مكتبة عامرة انتقى منها ما راق له من الأشعار لما ظهر هذا
الاختيار الحماسي الرائع إلى الوجود.
وقد حظيت حماسة أبي تمام بشهرة عظيمة
وانبرى لها خلق كثير بالشرح والمُدارسة، وهذا ليس أمرا مُستغربا فقد صب أبو تمام
في اختياره هذا خِبرَته الكبيرة بعمل الشعر وذائقته الفنية الخاصة التي أسعفته في
اختيار الأجود والأنسب. قال المرزوقي في مقدمته لشرح حماسة أبي تمام مُثنيا عليها
وعلى المفضليات معا: " قد وقع الإجماعُ من النقاد على أنه لم يتفِق في اختيار
المُقطعات أنقى مما جمعه (يقصد أبا تمام)، ولا في اختيار المُقصَدات أوفى مما دونه
المُفضلُ (صاحب المفضليات) ونقدَه"، وهو في هذا القول يضع الحماسة والمفضليات
في كفتين متقابلتين دون أن ترجَح إحداهما
على الأخرى.
كما وقع الإجماع على منزلتها الكبيرة
من حيث صِحة أشعارها أيضا، خاصة وأن أبا تمام قد ضم إليها جملة هامة من الأشعار
التي يُحتَج بها في اللغة والمعاني، قال الزمخشري موازنا بين أبي تمام الشاعر وأبي
تمام الراوية: " وهو وإن كان مُحدَثا لا يُستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء
العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه، ألا ترى إلى قول العلماء: الدليلُ على
هذا بيت الحماسة، فيقنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه".
أما الباقلاني فقد وازن بين شعر أبي
تمام واختياره وجعل اختيارة في مرتبة أعلى من شعره من حيث الشاعرية، قال:
"كان أبو تمام في اختياره أشعرَ منه في شعره".
وقال عنه ابن خلكان منوها بمهارته في
فن الاختيار الشعري: " وله كتاب الحماسة التي دلت على غزارة فضله وإتقان
معرفته بحسن الاختيار".
والخلاصة أن حماسة أبي تمام من أهم
ذخائر الشعر العربي القديم، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، لغزارتها وتنوع شعرها
الذي يُظهر كثيرا من ألوان السلوك البشري عامة، ومن القيم والأخلاق الخاصة بالعرب
وعاداتهم خاصة، وغير ذلك مما يمكن أن يدركه المطالع لها بفهمه وعقله وشعوره وذوقه.
أهم مميزات حماسة أبي تمام:
ــ الاهتمام بالشعراء المُقلين والمنسيين، وكثير منهم ليس لهم ديوان
مجموع، أو صيت كبير في المصادر والمظان القديمة.
ــ وصل مجموع شعراء الحماسة ما يقارب 253
شاعرا، جلهم من شعراء الجاهلية وصدر
الإسلام والعصر الأموي والقليل منهم من العباسيين.
ــ يمكن ترتيب مجموع شعراء حماسة أبي تمام
الكبرى، زمنيا، على الشكل التالي:
الجاهليون: 107، والمخضرمون: 55، وشعراء صدر الإسلام: 18، والإسلاميون: 19،
والأمويون: 104، ومخضرمو الدولتين الأموية والعباسية: 20، والعباسيون: 29.
ــ اختار أبو تمام لبعض الشعراء في
أكثر من موضع في الباب الواحد من الحماسة، وفي أبواب عدة منها أيضا.
ــ لم تَطُل قطعُ حماسة أبي تمام
المُختارة، كما في المفضليات والأصمعيات، وغالبها قصير أو منتزع من قصائد، واحيانا لا يتجاوز اختياره البيت
الواحد.
ــ الشعراء المجهولون يُشار إليهم في
حماسة أبي تمام كما في كثير من المصادر القديمة بعبارة: " وقال الآخر"
ــ كان لشعراء قبيلة طيء نصيب الأسد،
قياسا إلى القبائل العربية الأخرى، وهذا ليس بمستغرب، فهم أبناء قومه وعشيرته.
صدر كتاب الحماسة الكبرى لأبي تمام في
طبعات عديدة متباينة قديمة وحديثة، ونحن هنا نقترح للطلبة طبعتين من حماسة أبي
تمام:
الطبعة الأولى، بتحقيق الدكتور عبد
الله عبد الرحيم عسيلان، وصدرت عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المجلس
العلمي، الإصدار رقم 14 ــ 1981م
والطبعة الثانية برواية أبي منصور
الجواليقي ( ــ 540 هج )، بشرح وتعليق أحمد علي بسج، وصدرت عن دار الكتب العلمية ،
بيروت.
ويستحسن أن يقرأ الطالب حماسة أبي تمام
بشروحها المطبوعة التي سنعرض لها لاحقا.
ــ مبحث 5: الحماسة الصغرى: لأبي تمام أيضا
وتعرف بكتاب "الوحشيات"
وإنما سُميت ب " الوحشيات " لأن
مختاراتها من أوابد الشعر العربي وشوارِده، وأغلبها للمُقلين والمغمورين. وذِكرُ
هذا الاختيار الحماسي الصغير قليل في المصادر القديمة على خلاف الحماسة الكبرى
التي وصل صداها إلى كل الآفاق، ويقال: إن هذا الاختيار وُجد مكتوبا في مسودة بخط
أبي تمام ومُترجما ب "الوحشيات" ولم يُروَ عنه كما رُويت حماسته الكبرى
فبقي حبيس النسيان مدة طويلة من الزمن.
وأبواب الحماسة الصغرى أو"الوحشيات"
هي نفسها أبواب الحماسة الكبرى، غير أنه استُبدل بابُ السير والنعاس فيها بباب
المشيب. وقد صدر هذا الاختيار بتعليق وتحقيق السيد عبد العزيز الميمني الراجكوتي،
وزاد في حواشيه محمود محمد شاكر، عن دار المعارف بمصر، الطبعة الثالثة. وقد رُتبت
الوحشيات، في هذا الإصدار، بأرقام
متسلسلة، وبلغ عدد وحشياتها 507 وحشية.
ــ مبحث 6: الحماسة البحترية، لأبي عبادة
الوليد بن البحتري الشاعر ( ــ 284 هج )
وهي مما اختاره البحتري من أشعار العرب
للوزير الفتح بن خاقان، مُعارَضة لحماسة أستاذه أبي تمام.
والحماسة البحترية من مصادر الشعر
العربي القديم المهمة أيضا لغزارتها ولنُدرة كثير من الأشعار التي ضمتها، وللعدد
الهائل من أسماء الشعراء المدرجين فيها، وللمنهح الفريد الذي ارتضاه البحتري
وانفرد به، في الترتيب والتبويب، عن أستاذه أبي تمام.
غير أن البحتري، في صنيعه هذا، لم يحظ
بنفس شهرة أستاذه سواء في شعره أو في اختياره، ولم يجد عناية كافية من لدن الشراح،
بل هناك من شكك في نسبة هذا الاختيار إليه كالبغدادي في كتابه "خزانة
الأدب". وربما يعود السبب إلى تلك البساطة التي عُرف بها البحتري في شعره
وطبعت اختياره هذا أيضا. ومعروف عن الشراح واللغويين العرب القدامى ولعهم المفرط
بالغريب اللغوي وبالمعنى المستغلق المُضني، وعزوفهم عن ما دون ذلك.
مميزات حماسة البحتري مقارنة بحماسة
أستاذه أبي تمام:
ــ
صفة السهولة ألصق باختيار البحتري من أستاذه
ــ اختيار البحتري أغزر موادا وأبوابا
ــ قامت حماسة أبي تمام على أشهر الأغراض
الشعرية العربية المحدودة، وقامت حماسة البحتري على المعاني الشعرية التي لا يمكن
أن يوقف لها على حد.
ــ كان البحتري أكثر استقصاء للمعاني على
اختلافها وتنوعها
ــ توسع البحتري في التبويب حتى أوصل حماسته
إلى 174 بابا.
ــ سهل البحتري على القارئ الحصول على المعاني
الجزئية، على حساب وحدة الموضوع.
ــ يغلب على حماسة البحتري طابع الجد والوقار
وخلت من الغزل الفاحش والمجون واللهو، وهذه خاصية تشترك فيها معظم الحماسات، كما
أشرنا إلى ذلك سابقا.
ــ انفردت حماسة البحتري بأشعار لم ترد في
غيرها
ــ بلغ عدد شعراء حماسة البحتري زهاء 630
شاعرا، وكثير منهم غير مذكورين في غيرها
ــ وصلت مقطوعات حماسة البحتري إلى 1462
مقطوعة.
ــ شعراء حماسة البحتري محصورون بين الجاهلية
والعصر الأموي، باستثناء قلة قليلة من الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الدولة العباسية
كبشار بن برد وصالح بن عبد القدوس ومطيع بن إياس.
والنسخة المطبوعة التي نقترحها للطلبة
بتحقيق محمد إبراهيم حُوَر وأحمد محمد عُبيد، وصدرت عن المجمع العلمي هيئة أبو ظبي
للثقافة والتراث، الإمارت العربية المتحدة، 2007م.
ــ مبحث 7: الحماسة الشجرية ، لابن الشجري ( ــ
542 هج ):
وسميت ب " الشجرية " نسبة
إلى ابن الشجري، وهو ضياء الدين أبو السعادات هبة الله بن علي بن حمزة العلوي
الحسني المتوفى في سنة 542 هجرية. وهي مجموعة قصائد ومقطوعات وأبيات اختارها
الشجري، على غرار ما جاء في حماسات أخرى سبقته، لشعراء من الجاهلية وصدر الإسلام
والعصرين: الأموي والعباسي.
وجاءت مقسمة إلى تسعة أبواب وهي:
باب الشدة والشجاعة1، باب اللوم
والعتاب2، باب المراثي3، باب المديح4، باب الهجاء5، باب الأدب6، باب النسيب7 وما
له علاقة بمعانيه الفرعية التالية: (الارتياح عند هبوب الرياح، في الاشتياق عند
لمعان البروق، في النزاع عند نوح الحمام، في الطيف والخيال، مقطعات من غزل جماعة
من الشعراء المحدثين). باب الصفات والتشبيهات8، وما له علاقة بمعانيه الفرعية
التالية أيضا: (في صفات النساء، في طيب النكهة وعذوبة الريق، في طيب الريح، في وصف
العين والنظر، في حسن الحديث وطيبه، وغير ذلك من الأوصاف الكلية والجزئية التي
توسع فيها كثيرا). باب الملح، وهو آخر أبواب الكتاب9.
وبلغ عدد شعراء الحماسة الشجرية 365
شاعرا.
ولم تأخذ حماسة ابن الشجري حظها هي
الأخرى من العناية والانتشار رغم أهميتها، قال عنها ياقوت الحموي: ( وله كتاب
الحماسة ضاهى به حماسة أبي تمام ) 9 ــ 283
والنسخة المطبوعة التي نقترحها للطلبة
من الحماسة الشجرية بتحقيق عبد المعين الملوحي وأسماء الحمصي، وصدرت عن منشورات
وزارة الثقافة، دمشق، 1970.
ــ مبحث 8: الحماسة البصرية، لصدر الدين علي بن
أبي الفرج بن الحسن البصري ( ــ 656 هج )
وهي أضخم من حماسة أبي تمام، وتكاد
تضاهيها في الشهرة رغم تأخرها الزمني، بل هي الأضخم من كل الحماسات، فقد ضمت 1709
قصيدة ومقطوعة. وهذا ليس بمستغرب فقد كان البصري واسع الاطلاع متبحرا في العلوم،
واختياراته الغزيرة تشهد على ذلك، وعاش في عصر اتسم بالتأليف الموسوعي. وقد اعتمد
فيه على كتب ومجاميع ودواوين شعرية بعضها معلوم وبعضها غير معلوم، فاحتفظ بأشعار
لولا حماسته لما عرفناها، فضلا عن كثير من الروايات والأبيات التي زادت عما في
غيرها من المجاميع والدواوين.
وقد قسم البصري حماسته إلى قسمين،
وجاءت كلها بقسميها موزعة على أربعة عشر بابا وهي: الحماسة1، المديح2، الرثاء3،
الأدب4، النسيب5، الأضياف6، الهجاء7، صفة النساء8، الصفات والنعوت9، السير
والنعال10، الملح والمجون11، ما جاء في أكاذيبهم وخرافاتهم12، ملح الترخيص13،
الإنابة والزهد14.
وكأنه بهذا التوزيع أراد أن يوفق بين
حماسته وحماسات أخرى سبقته، حتى تكون مستوعبة لأهم الأبواب والمعاني الشعرية
العربية.
مميزات الحماسة البصرية:
ــ أطال البصري في اختياراته أكثر من غيره
ــ يقل عنده اختيار البيت الواحد
ــ
حرص البصري على عناصر التشابه بين قطعه وقصائده المختارة، في المعاني، وفي
المواضيع والأغراض، وأحينا حتى في الألفاظ.
ــ في الحماسة البصرية بعض من شعر المُلح
والمجون، مما خلت منه باقي الحماسات.
ونقترح من نسخها المطبوعة للطلبة نسختين:
الأولى بتحقيق مختار الدين أحمد، وصدرت
عن عالم الكتب ، الطبعة 3، 1983.
والثانية بتحقيق وشرح الدكتور عادل
سليمان جمال، وصدرت عن مكتبة الخانجي بالقاهرة ، الطبعة الأولى، 1999م
ــ
مبحث 9: الحماسة المغربية، لأبي العباس أحمد بن عبد السلام الجراوي التادلي
( ــ 609 هج)
وتعرف أيضا بالحماسة البياسية، وب
" مختصر صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب"
والمختارات الشعرية في "الحماسة
المغربية" غزيرة ومتنوعة، وكانت موردا كبيرا للمصنفين والأدباء والمؤرخين،
وكانت متناقلة ومتدارسة في الأوساط المغربية والأندلسية لفترات طويلة، وبلغ صداها
المشرق أيضا.
وكان قد قدمها للخليفة المنصور الموحدي
تحت عنوان (صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب) ثم اختصره بعد ذلك بناء على رغبته أيضا
لطولها. قال من مقدمة كتابه: " ولما فرغ العبد من جمع الكتاب المُترجم ب
(صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب)، فجاء خالصا خلوص الذهب الإبريز، منفردا دون ما
تقدمه في فنه بالسبق والتبريز، نفذ الأمرَ المطاعَ باختصاره والاختيار من
مُختاره".
وقد جرى الجراوي في حماسته على نهج
قريب من حماسة أبي تمام، فرتب الأشعار التي اختارها على أبواب جاءت كالتالي: المدح
1، وهو قسمان: أحدهما خاص بمدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفرده هنا بقسم خاص
لتميز المديح النبوي عن غيره، ولرواج شعر المديح النبوي في عصره، كما أنه لم يحذف
شيئا من مختاراته الشعرية الخاصة بالمديح النبوي عندما عقد العزم على اختصار
مختاره لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المسلمين، أما القسم الثاني من
شعر المديح فيشمل سائر المدائح الشعرية المعروفة، الفخر2، المراثي3، النسيب4،
الأوصاف5، الأمثال والحكم6، الملح7، ذم النقائص8، الزهد والمواعظ9.
وهذا التقليد الحرفي لحماسة أبي تمام
من لدن الجراوي، ليس بمستغرب عليه أو على غيره من أهل المغرب والأندلس، فقد كانت
حماسة أبي تمام من مرويات أهل الأندلس والمغرب ومن محفوظاتهم الكثيرة عن المشرق،
ومن موادهم الأساسية للتعليم والتدريس وتهذيب ذوق ناشئة الأدب على نحو قريب من
مذاهب العرب الفصيحة في المشرق.
وتوخى الجراوي أن يُرتب اختياراته
الشعرية داخل كل باب وفق التسلسل الزمني، وبدأ في كل باب بشعراء المشرق، ثم بشعراء
المغرب والأندلس.
ويُلاحظ تميز الأبواب الأربعة الأولى
من الحماسة المغربية بوفرة أشعارها على خلاف الأبواب الباقية، كما يلاحظ إكثارُه
من أشعار الشعراء العباسيين المُحدثين كأبي تمام والبحتري وابن الرومي وابن المعتز
والمتنبي والشريف الرضي والمعري وذلك لشهرة هؤلاء ولرواج شعرهم الكبير في المشرق
وفي المغرب والأندلس في مختلف الأبواب والأغراض الشعرية التي عرض لها.
ولم يتقيد الجراوي بطريقة أبي تمام في اقتصاره على المقطوعات فقط،
بل اختار قصائد طويلة وتامة، وزاد عليه بإعطاء أهمية أكبر للشعراء المُحدثين.
والنسخة المطبوعة التي نقترحها للطلبة
من الحماسة المغربية لأبي العباس الجراوي، بتحقيق الدكتور محمد رضوان الداية،
وصدرت في جزأين عن دار الفكر بدمشق، الطبعة الثانية 2005م.
ــ المحور
الثالث: أهم شروح الاختيارات
ــ
القسم الأول: شروح " المُفضليات "
ــ مبحث 10: "شرح اختيارات المفضل بن محمد
" للخطيب التبريزي ( ــ 502 هج ):
كتاب " شرح اختيارات المفضل بن محمد
الضبي" للخطيب التبريزي( يحيى بن علي) المشهور بالخطيب ( ــ 502 هج )، بتحقيق
الدكتور فخر الدين قباوة، وذكر الدكتور قباوة في مقدمة تحقيقه أنه اعتمد على نسخة
تامة بخط التبريزي نفسه. وصدر تحقيقه هذا عن دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة
الثانية، 1987م.
أما التبريزي فذكر في مقدمة شرحه أنه
قد شرح المفضليات بعد شرحه لكتاب " الحماسة " لأبي تمام، وكان التبريزي
قد شغل منصب تدريس الأدب واللغة في نظامية بغداد المشهورة، وقد أفاد في شرحه من
كثير من المظان التي سبقته، كما في باقي تصانيفه لأنه كان قيما لدار الكتب بها،
فأتاح له منصبه هذا استفادة عظيمة من ذخائرها التي كانت رهن إشارته.
وشروح التبريزي كلها تنطوي على فوائد
كثيرة للمتعلم لسهولة مأخذها وغزارة موادها، وهي تلقى رواجا كبيرا في الأوساط
الطلابية بالجامعات العربية، كشرحه للقصائد السبع الطوال وديوان الحماسة لأبي تمام
وشرح المفضليات هذا. ولذلك لا مجال للتوسع في الحديث عنها أو التنويه بها، يكفي
الطالب الرجوع إليها لينهل من فوائدها الجمة ومنهج صاحبها الذي أمضى وقتا طويلا من
حياته في التعليم بها وبغيرها من ذخائر الشعر العربي القديم.
ــ مبحث 11: كتاب " الاختيارين: المفضليات
والأصمعيات" صنعة الأحفش الأصغر ( ــ 315 هج ):
والأخفش الأصغر هو أبو الحسن علي بن
سليمان بن الفضل المتوفى في سنة 315 هجرية
كان المفضل الضبي، صاحب "
المفضليات "، مؤدبا للمهدي عندما اختاره أبو جعفر المنصور لهذا الغرض وأمره
بانتقاء أجود القصائد ليدرب بها ولي عهده المهدي، وليعلمه أحسن الأشعار وأصفاها،
كما كان الأصمعي صاحب " الأصمعيات " مؤدبا للأمين عندما كان وليا للعهد أيضا، ثم حدث أن
اجتمع اختيار هذين المؤدبين معا في كتاب واحد سُمي ب " الاختيارين "
وبذلك اجتمعت فيه خبرة أشهر عالمين عربيين في القرن الثاني الهجري.
ولم يكتف الأخفش بعرض الأشعار في كتابه
هذا فقط بل علق عليها وفسر بعض غريبها ووضح بعض معانيها البعيدة. وضم كتاب
"الاختيارين " 116 قصيدة: منها ما هو من المفضليات ومنها ما هو من
الاصمعيات ومنها ماهو من خارج الاختيارين أيضا.
وصدر كتاب الاختيارين بتحقيق الدكتور
فخر الدين قباوة، في طبعتين:
1ــ طبعة مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية،
1984م
2ــ طبعة دار الفكر المعاصر ببيروت وطبعة دار
الفكر بدمشق ، الطبعة الأولى، 1999م
ــ
القسم الثاني: شروح حماسة أبي تمام:
وهي الأغزر والأكثر
وقد بدأت شروح حماسة أبي تمام تظهر منذ منتصف
القرن الثالث الهجري، ثم لم ينقطع سيل التأليف فيها إلى العصر الحديث مع السيد بن
علي المرصفي والشيخ إبراهيم الدلجموني والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، فكثرت كثرة
هائلة استعصت على العد والاستقصاء. فقد أربت شروحها القديمة فقط على أربعين شرحا،
لم يصلنا منها إلا عدد قليل.
وتتفاوت الشروح التي وصلتنا فيما بينها تفاوتا
بينا، وتناولت قضايا عديدة على هامش الأشعار التي ضمتها، ولكننا اقتصرنا هنا على
أهم الشروح الحماسية وأكثرها تداولا، مما يمكن أن يساعد الطالب على استيعاب أشعارها
بشكل أوضح وأدق:
ومن هذه الشروح مجتمعة شرحان متميزان
وأساسيان، وهما: شرح المرزوقي وشرح التبريزي. ولذلك بدأنا بهما قبل غيرهما.
ــ مبحث 12: شرح حماسة أبي تمام، بصنعة
المرزوقي ( ــ 421 هج ):
والمرزوقي هو أبو علي أحمد بن محمد
المرزوقي الأصفهاني المتوفى في سنة 421 هجرية.
أما شرحه هذا فهو أكبر الشروح الحماسية
وأكثرها دقة وشمولية لأنه لم يُعنَ بمعاني الشعر فقط بل تجاوزها إلى قضايا النقد
والموازنات واللغة ومسائل النحو والصرف والبلاغة، مع الإقلال من الأخبار المُحيطة
بالشعراء وأسمائهم وظروف أشعارهم، مما اهتم به شراح آخرون كالتبريزي، على سبيل
المثال.
ولأن المرزوقي كان أديبا وناقدا بارعا،
كما تدل على ذلك مقدمته النقدية الشهيرة التي مهد بها لشرحه هذا، فقد كان من
الطبيعي أن يتلون أسلوبه في الشرح بلون أدبي واضح لا يمكن أن يخفى على القارئ
الحصيف، قال ياقوت الحموي عن المرزوقي وعن أسلوبه: "وكان يتفاصح في تصانيفه
كابن جني"
وقال عنه عبد السلام هارون: "
والمرزوقي ذو عبارة رصينة مُتخَيرة، يتكلف لها الصنعة حينا، ويعمدُ أخرى إلى السجع
الهَين"
والخلاصة أن شرح المرزوقي لحماسة أبي
تمام، بمقدمته النقدية الرائعة وشرحه المسهب وأسلوبه الأدبي الرفيع منتهى أمل
المتأدب، وكأن المرزوقي كان يقصد بشرحه هذا فئة خاصة من المتعلمين الذين قطعوا
شوطا كبيرا في الاطلاع والمعرفة والخبرة العالية بالأساليب العربية البديعة.
صدرت طبعات كثيرة من هذا الشرح
متفاوتة، ونحن نقترح للطلبة شرح المرزوقي للحماسة بعناية أحمد أمين وعبد السلام
هارون، عن مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1967م، في أربعة أقسام.
ــ مبحث 13:
شرح حماسة أبي تمام بصنعة الخطيب التبريزي ( ــ 502 هج ):
اختلف التبريزي في شرحه لحماسة أبي
تمام عن المرزوقي، فهو في شرحه لها نحوي أكثر منه أدبي، ولكنه زاد عليه بذكر كثير
من التفاصيل والدقائق المحيطة بديوان الحماسة، من قبيل شرح معنى كلمة (حماسة) بشكل
مسهب، وذكر قصة تأليف أبي تمام لحماسته التي أومأنا إليها سابقا، ثم كيفية خروج
هذا الديوان إلى الناس، بعد أن ظل محبوسا مدة من الزمن عند آل سلمة، إذ كانوا
يضِنون به على غيرهم.
ويذهب البعض إلى أن التبريزي كان في
معظم شرحه للحماسة عالة على المرزوقي، وإن أخذ على نفسه شرح الحماسة كلها بيتا
بيتا، مع إغناء شرحه بكثير من الفوائد، كتبيين اشتقاق أسامي الشعراء، وتفسير
الغريب، وذكر مسائل الإعراب، والمعانى، وما اختلف فيه العلماء، وسياقة الأخبار
المتعلقة بالأشعار في أماكنها المناسبة من الحماسة.
وننبه، هنا، إلى أن متن الحماسة مختلف
بين شرح المرزوقي وشرح التبريزي من حيث المقطوعات والأبيات عددا وترتيبا.
وشرح التبريزي لحماسة أبي تمام
أكثرشروحها رواجا، لسهولة مأخذه، شأنه في ذلك شأن شرحه الشهير للقصائد السبع
الطوال. لذلك نجد له طبعات كثيرة قديمة وحديثة.
والنسخة المطبوعة التي نقترحها للطلبة
بعناية تغريد الشيخ وأحمد شمس الدين، وصدرت عن دار الكتب العلمية في بيروت.
ــ مبحث 14:
شرح الحماسة بصنعة وترتيب الأعلم الشنتمري ( ــ 476 هج ):
والعنوان الكبير لهذا الشرح:
" تجلي غُرر المعاني
عن مثل صُور الغواني، والتحلي بالقلائِد من جواهِر الفوائد في شرح الحماسة "
وصاحب هذا الشرح هو أبو الحجاج يوسف بن
سليمان بن عيسى الأعلم الشنتمري المتوفى في سنة 476 هجرية، والأعلم صفة خِلقية
لمشقوق الشفة العليا، أما مشقوق الشفة السفلى فيقال عنه: أفلَح. وكان عالما
بالعربية ومعاني الأشعار، ويكفيه فخرا أن يكون راويا وتلميذا لشيخه أبي القاسم
الإفليلي عالم الأندلس الشهير.
وترتكز رواية الأعلم لحماسة أبي تمام،
قبل شرحها، على تعدد رواياتها عنده، كما ورد في مقدمة شرحه، ولذلك فهي تتميز عن
كثير من الشروح الحماسية الأخرى بالنقد والتوثيق وضبط النصوص.
وهو من الشروح الأندلسية المهمة
للحماسة التي استطاعت أن تفرض وجودها بقوة، ومن خلاله انتقلت حركة التأليف حول
الحماسة من المشرق إلى الأندلس والمغرب.
وكانت مهمته الأساسية في شرحه، مساعدة
المتعلمين على فهم الشعر العربي القديم،
وقضايا اللغة العربية المرتبطة به، من نحو وتصريف وبلاغة وعروض وغير ذلك.
ونهج الأعلم أبجدية أهل الأندلس
والمغرب في ترتيب أشعار الحماسة، وهي أبجدية مغايرة في ترتيب الحروف لأبجدية
المشرق، كما هو معروف.
ويلاحظ، كما في معظم الحماسات وشروحها،
أنه جعل المعاني الشعرية العليا كالأدب والنسيب والمديح والأضياف مُقدمَة على
المعاني الشعرية الدنيا كالهجاء والمُلح والفحش.
ونقترح على الطلبة شرح الأعلم بتحقيقين
مختلفين:
ــ شرح الأعلم بتحقيق الدكتور علي المفضل
حمودان وهو من المغرب، وصدر عن قسم التحقيق، مركز الماجد للثقافة والتراث، دبي،
الطبعة الأولى 1992.
ــ شرح الأعلم بدراسة وتحقيق مصطفى عليان وهو
من المشرق، وصدر عن معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، 1423م.