السلام عليكم اخواني طلبة كلية الأداب والعلوم الانسانية اليكم الدروس المتعلقة بمادة سرد قديم للفصل الثالث شعبة الدراسات العربية
سرد قديم
سرد قديم: البرنامج العام:
مدخل عام: مفهوم السرد، لغة واصطلاحا
المحور الأول: إشكالية الأنواع السردية العربية القديمة، بين القدماء والمحدثين:
ــ مبحث أ: موقع السرد في الثقافة العربية القديمة من خلال مواقف بعض القدماء
(فهرست النديم ومروج الذهب للمسعودي كنموذجين)
ــ مبحث ب: موقع السرد في الثقافة العربية الحديثة، بين النفي والإثبات
(مواقف وشهادات)
المحورالثاني: أنواع السرود العربية التراثية:
ــ مبحث أ: السرد العربي القديم كقسم مستقل بذاته
(إشارات وإثباتات)
ــ مبحث ب: خطاطة عامة مساعدة لقراءة أشهر النماذج السردية العربية القديمة:
(عرض تفصيلي منظم للنصوص السردية العربية القديمة المطبوعة حسب النوع والخاصية)
المحور الثالث: ألفاظُ السرد العربي القديم ومُصطلحاته:
(عرض مُعجمي موسع في المعاني والدلالات ذات الصلة)
المحور الرابع: بنية السرد العربي القديم، من خلال ثلاث دعائم فنية وهيكلية نموذجية:
ــ الاستهلال الإسنادي
ــ الراوي
ــ البطل
مصادر ومراجع مساعدة
مصادر ومراجع:
ــ الفهرست، ابن النديم ، وهو أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بالوراق، تحقيق رضا تجدد
ــ الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت
ــ تحذير الخواص من أكاذيب القُصاص، جلال الدين السيوطي، دار الحداثة، بيروت
ــ زهر الآداب، إبراهيم الحصري، تحقيق زكي مبارك ومحي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت
ــ حكاية أبي القاسم البغدادي (أبو المطهرالأزدي)، تحقيق أدم ميتز، مكتبة المثنى، بغداد
ــ مصارع العشاق، السراج، بيروت 1980، والسراج هو أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر المشهور بالسراج
ــ فن المقامات بين المشرق والمغرب، يوسف نور عوض، دار الأندلس
ــ نصوص من خيال الظل، سامي قطاية
ــ فن الواسطي من خلال مقامات الحريري، د ثروت عكاشة
ــ قصص العشاق النثرية في العصر الأموي، إبراهيم عبد الحميد، دار المعارف مصر 1986
ــ القصة في الأدب العربي، تيمور باشا، مكتبة الآداب، مصر 1971
ــ في الرواية العربية، عصر التجميع، فاروق خورشيد، بيروت 1975
ــ الأدب القصصي عد العرب، سليمان موسى، منشورات دار الكتاب اللبناني، بيروت 1956
ــ الخيال الشعري عند العرب، أبو القاسم الشابي، الدار التونسية 1983
ــ الأدب والغرابة، عبد الفتاح كليطو، دراسة بنيوية في الأدب العربي، دار الطليعة، 1997
ــ الغائب، عبد الفتاح كليطو، دراسة في مقامات الحريري، دار توبقال، 1987
ــ السردية العربية، عبدالله إبراهيم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء
ــ الكلام والخبر، مقدمة للسرد العربي، سعيد يقطين، البيضاء 2000
ــ عالم الأدب الشعبي العجيب، فاروق خورشيد، دار الشروق، بيروت 1991
ــ ذخيرة العجائب العربية، دراسة في سيرة سيف بن ذي يزن، سعيد يقطين، الدار البيضاء 1994
ــ ذخيرة قال الراوي، دراسة في البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، سعيد يقطين، البيضاء 1997
ــ مورفلوجيا القصة، فلاديمير بروب، ترجمة عبد الكبير حسن وسمير بن عمر، دمشق 1996
المحاضرة 1: مفهوم السرد: لغة واصطلاحا
1 ــ المفهوم اللغوي للسرد:
ترد كلمة ( سَرَدَ ) في المعاجم اللغوية العربية، في المفهوم الأول الغالب، في سياق معان تفيد التوالي والاتصال والانتظام، فقد جاء في لسان العرب:
ــ أن: ( سَرَدَ ) تفيد تَقْدِمَة شيء إلى شيء، تأتي به مُتسقا بعضه في أثر بعض، وسَرد الحديثَ ونحوه بتحريك الحرف الأوسط: إذا تابعه، وفلان يسْردُ الحديث إذا كان جيد السياق له، وسرَد فلان الصوم إذا والاه وتابعه
ــ وترد كلمة سرَد، في المفهوم اللغوي الثاني، بمعنى الثقب، فتقول: سردَ الشيئ وأسْرده إذا ثقبه، والسِّراد والمِسرد والمِسراد آلة الثقب، أو المِثقب. وتطلق كلمة المِسرد أيضا على اللسان مجازا لأثره الثاقب، وخاصة عند اللجاج والخصومة والجدل.
ــ وترد كلمة سرد في المفهوم الثالث، بمعنى النسج، أي: نسج الدروع خاصة، ولذلك قيل: هذه دروع مسرودة، والسرْد حِلق الدروع، والسرْد اسم جامع للدروع وما أشبهها من عمل الحلق. قال تعالى في شأن النبي داود عليه السلام ( وقدر في السرد )، سورة سبأ ، الآية 11. وقيل في تفسير هذه الآية: “ليكن عمل الدروع وسردها مقدرا، أي لا يكون الثقب واسعا، ولا المسمار غليظا، بل يكون على تقدير معلوم”.
ــ ووردت كلمات أخرى ألحقت بمجال السرد: ككلمة الزِراد على وزن السِراد، بمعنى المِثقب، وكلمة السرمد التي قيل: إن الميم فيها زائدة، فهي من سرد، فكأن السرْمد زمن متصل بعضه ببعض.
2 ـ المفهوم الاصطلاحي للسرد:
وترد كلمتا السرد والسردية في الاصطلاح الحديث بمعنى يكاد يكون واحدا، ويقصد بأحديهما أوبكليهما: ” تتابع الحالات والتحولات في خطاب ما على نحو ينتج المعنى”.
وهذا المفهوم ، بصيغته المختصرة هذه، يتسع ليشمل كافة الخطابات المكتوبة والمنمنمة والمصورة والمروية، غير أن السرد سرعان ما تجاوز حدود المفاهيم النظرية ليصبح علما قائما بذاته, ولا بد، هنا، من التنبيه إلى جوانب الالتقاء بين مفهوم السرد بدلالاته اللغوية الحقيقية الأولى السابقة، كما وردت في معاجم اللغة العربية القديمة المعتمدة وبين المفاهيم الاصطلاحية، كما هي عند رواد السرديات الحديثة في العالمين العربي والغربي معا,
وعلم السرد، في صيغته المتداولة حاليا، حديث النشأة، حيث لم تظهر ملامحه الأولى إلا مع مطلع القرن الماضي على يد إخنباوم في مقالة له تحت عنوان “كيف صيغ معطف غوغول”، ولكن كلمتي: السرد والسردية لم تأخذا بعدهما الاصطلاحي المعروف بين الدارسين إلا في حدود سنة 1969 على يد الناقد المشهور “تودورف”.
أما أهمية فلاديمير بروب فتتجلى في اكتشافه لتسلسل الوظائف السردية عندما انطلق في بحثه من مائة خرافة روسية، وذلك في حدود سنة 1925.
خلاصة عامة:
إن أهم سؤال يثار في مجال علم السرد هو: إلى أي حد يمكن الحديث عن حضارة ما دون سرد؟.
ومغزى هذا السؤال أنه ليس هناك أي مبرر لإقصاء هذا الحقل الحضاري والثقافي والآدبي والفني من بنية حضارة ما، لأن السرد ارتبط منذ القديم بحكاية الإنسان مع الوجود، وهذا منذ عهد البشرية الأول، ولا شك أن السرد صنو الشعر، فهما سيان في التعبير عن حاله وعن وجوده.
المحاضرة 2: محور1 ــ مبحث 1
المحور الأول: إشكالية الأنواع السردية العربية القديمة
مبحث 1: موقع السرد في الثقافة العربية القديمة من خلال موقف بعض القدماء
تكاد الثقافة العربية أن تُختزل ضمن نمط واحد من الإبداع الأدبي، وهو الشعر، ليغدو بذلك هذا الفن القولي الظاهرةَ الأدبية الكبرى المميزة لحياة العرب وأمزجتهم وأخيلتهم، وليستأثر بكل احتفاء واهتمام، وذلك رغم كل التحولات العميقة والهزات العنيفة التي شهدها التاريخ العربي الإسلامي في كل الأمكنة التي تعاقبت فيها الدول الإسلامية الكبرى على الحكم شرقا وغربا.
ورغم ما اشتمل عليه القرآن الكريم من جوانب سردية خصبة، فإنه لم يُنظر إلى السرد القرآني المُعجز إلا من حيث الجوانب المتصلة بالحكمة والموعظة وضرب الأمثال، بُغية التوجيه الرشيد للسلوك البشري.
وإذا كان القدماء قد أهملوا السردَ فإن إهمالهم لنقد السرد كان آكَدَ وألح، إذ غطت عليه أدبيةُ الشعر والنثر الفني التي عمل النقاد على ترسيخها والتنظير لها في مؤلفات مخصوصة معروفة.
وقد ساهم هذا الموقفُ الذي يحط من شأن السرد على تكوين تيار مناوئ للسرد والسردية، وترسيخ نظرة متعالية تقرنهما بطبقة العوام والدهماء. وكأن السرد من خلال هذ الموقف المضاد نوع دخيل على الثقافة العربية ولا يرقى إلى مستوى اللغة العالية الرصينة التي استبد بها الشعر والنثر الفني، مع العلم أن السرد مثله مثل الشعر لا يمكن أن يكون إلا نتيجة طبيعية لتقلبات مجتمع بكامله، في أوضاع وأحوال زمانية ومكانية خاصة، ومن الأمثلة النموذجية التي تساعدنا على فهم موقف القدماء من السرد ما أورده المسعودي ثم النديم في كتابيهما المعروفين:
ــ قال المسعودي عن ألف ليلة وليلة: ” وقد ذكر كثير من الناس ممن لهم معرفة بأخبارهم أن هذه أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب للملوك بروايتها، وصال على أهل عصره بحفظها والمُذاكرة بها، وأن سبيلَها الكتبُ المنقولة إلينا والمترجمة لنا من الفارسية والهندية والرومية، وسبيل تأليفها مما ذكرنا مثل كتاب هزار أفسانة، وتفسير ذلك من الفارسية إلى العربية: ألف خرافة، والخرافة بالفارسية يقال لها أفسانة، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة …” ص 259، 260 ” مروج الذهب ومعادن الجوهر للرحالة والمؤرخ أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ت 346هج. تحقيق محي الدين عبد الحميد.ج2 _ ص 259، 260، باب ذكر الأخبار عن بيوت النيران وغيرها ، فصل ألف ليلة وليلة.
ــ ثم جاء ابن النديم فحدد موقفا عاما من السرد، قال عن كتاب ألف ليلة ، وينطبق كلامه أيضا على كتاب كليلة ودمنة وعلى السرد الخُرافي عامة قال: ” والصحيح ـ إن شاء الله ـ أن أول من سَمر بالليل الإسكندر، وكان له قوم يُضحكونه، ويُخَرفونه، لا يريد بذلك اللذة، وإنما يريد الحِفظ والحِرس،، واستعملَ لذلك بعده الملوكُ كتابَ هزار أفسان، يحتوي على ألف ليلة، وعلى دون المائتي سمر، لأن السمرَ ربما حُدثَ به في عدة ليال. وقد رأيته بتمامه دفعات، وهو بالحقيقة كتاب غث بارد الحديث.” الفهرست، ص 363، 364 ، النديم، أبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بالوراق. تحقيق رضا تجدد، منقول من دستوره وبخطه.
وكأن النديم، هنا، بهذا القول الموجز يختزل وعي النقد القديم بالسرد، ويرسمُ حدودَ موقفه العام تُجاهه.
تعليل
وربما كان السبب الرئيسي في تشكل هذا الموقف، أن الشعر مرتبط في الغالب، بأشخاص معروفين، فالشاعر في الغالب الأعم معروف، ومن يقصده بالشعر معروف أيضا سواء أكان موضوعا للممدح أو الرثاء أو الهجاء أو الغزل أو الوصف أو غير ذلك مما درج عليه شعراء العربية منذ فجر التاريخ، في أغراض شعرية ثابتة المعالم والخطوط والدوائر.
أما السرد فهو غُفل، لا يُعرف واضعه، في الجانب الأعم منه، فضلا عن أنه لا يتوجه إلى متلق واحد بعينه، بل إلى مجموعة من المتلقين الافتراضيين غير معلومين بتفاصيلهم الدقيقة المحكومة بزمان ومكان ثابتين، على خلاف ما هو عليه واقع الشعر العربي والنثر الفني القديمين.
يضاف إلى هذا أن السرود عندما تنشأ، في أي مجتمع، فهي تنشأ وقد طبعتها المُشافهة بسمات معينة، تتصل بطبائع الناس العاديين وبأوهامهم وخرافاتهم ومجمل تصرفاتهم الحياتية، في صور ولوحات متتالية أقرب ما تكون إلى نمط عيش الطفولة الساذج. ومعروف موقف النقد العربي من الثقافة الشعبية وانحيازه الكبير إلى جانب اللغة العربية الرصينة كما تمثلت في النصوص الأدبية العربية الرفيعة.
ومع أن كثيرا من السرود العربية قد دُونت في مراحل لاحقة متأخرة، غير أن صلتها لم تنقطع بمجالها الشفاهي الخصب الذي هو سر جمالها وجاذبيتها.
كما أنه لا ينبغي أن ننسى في هذا السياق موقف السرد من السلطة، إذ كثيرا ما تعارضت توجهات السرود العربية، في حموحها وفي عوالمها الغريبة العجيبة، مع التوجهات والثوابت الرسمية للسلطة المؤسسة على قواعد معيارية، وثوابت عقلانية منطقية.
ورغم هيمنة فكرة الإقصاء هذه فإنها لم تمنع من انتشار السرد في بيئاته الخاصة، وفي أوساط الناس عامتهم وخاصتهم، بل وحتى في أوساط الشعراء والكتاب الرسميين المتمرسين بأساليب اللغة العربية الرفيعة.
ويمكن أن نذكر هنا، على سبيل المثال، المعري، فهو من شعراء وكتاب العربية الكبار الذين استغلوا طاقة السرد الهائلة، في كثير من أشعاره وكتاباته، وخاصة في رسالته المشهورة والمعروفة ب”رسالة الغفران”، بالإضافة إلى ابن شهيد الأندلسي في “التوابع والزوابع” وركن الدين الوهراني في “المنام الكبير”..
ولا ينبغي هنا أن نتجاوز هذه القضية دون أن نشير إلى كتاب “ألف ليلة وليلة”، فهو نتاج أمة كاملة، ولذلك استطاع لوحده أن يختزل هموم الإنسان العربي خصوصا، والإنسانية عموما، رغم التحفظات الكثيرة التي واجهها هذا الكتاب قديما وحديثا، ربما بسبب هذا الموقف القديم الذي أشرنا إليه.
وعندا ظهرت السردية العربية الحديثة كفرع ثابت من فروع الأدبية وعلوم اللسان ومناهج التحليل الأدبي المعاصر، سعى كثير من رواد السردية في عالمنا العربي جهدهم لإنصاف التراث العربي السردي القديم، ودراسته دراسة تصنيفية متكاملة توضح حدوده وآفاقه وخصائصه الأسلوبية والموضوعية التي تميزه عن غيره.
المحاضرة: 3 ــ محور 1 ــ مبحث 2
المحور الأول ــ مبحث2:
موقع السرد في الثقافة العربية الحديثة بين النفي والإثبات:
يرى كثير من الدارسين المحدثين أن بداية تَشَكل السرد العربي القديم إنما كانت عن طريق ما تُرجم إلى العربية من نصوص فارسية وهندية، ثم صارت هذه المُترجمات بمثابة المِنوال الذي نَسج عليه العربُ سردَهم أيضا. ويمكن تمييز رأيين مختلفين حُيال السرد العربي القديم: أحدهما يَنفي والأخر يُثبت:
الرأي الأول:
ويمكن توضيحه من خلال الخُلاصة التي انتهى إليها كل من الدكتور أحمد حسن الزيات وإسماعيل أدهم، فالدكتور أحمد حسن الزيات لا يتردد في جعل القصص “ضربا من ضروب الترَف في القرنين الثالث والرابع للهجرة، اصطنعها الندماءُ ليُسامِروا بها الخاصة، وجرى مجراهُم العامةُ من أهل الترف والبِطالة”. وهو في هذا القول يكاد يستنسخ مقولتي المسعودي وابن النديم المُشار إليهما في المبحث السابق.
أما الدكتور إسماعيل أدهم فيذهب أبعدَ مما ذهب إليه أحمد حسن الزيات، فينفي وجودَ أي شكل من أشكال القصص في التراث العربي القديم، “لأن القَصص لم تنشأ عند العرب إلا حديثا بتأثير الثقافة الغربية”، ثم يقول بعد ذلك: ” لم تنشأ القصةُ والأقصوصة في الأدب العربي الحديث من أصل عربي قديم، كالمقامات والقصص الحماسية، كما يظن البعض، إنما نشأ فن القصص مُترعرعا في الأدب العربي الحديث تحت تأثير الآداب الأوربية مباشرة.”
ومرد ذلك عند أصحاب هذا الموقف يمكن أن نُرجعه إلى عاملين يترتب أحدهما عن الآخر: العامل الأول ويرجع إلى فكر العرب الساذج الذي لا يحسن التجريد، أما العامل الثاني فيرجع إلى غلبة الذاتية وافتقار العرب إلى الخيال.
الرأي الثاني:
أما الذين خالفوا الرأي الأول فيجعلون الأمة العربية أمة قصصية بالطبع والأصالة، بل هي أرسخ الأمم في المجال السردي، ومن أوضحهم محمود تيمور، وفاروق خورشيد:
يقول محمود تيمور: ” فإذا كانت قلوبا قد أُشربت حُب القصة الغربية واصطناع مناهجها فلِأن الأمة العربية أمةٌ قصصية بالطبع”، ثم يقول: ” والثقافة العربية على تَرادُف أحقابها تزخر بالقصة، مختلفة الشكول والألوان، فالمجرى القصصي في هذه الثقافة موصول، لا ينضب له معين، في كل عصر له مَظهرٌ، وفي كل منحى من مناحي الحياة له مَجال”.
أما فاروق خورشيد فيرى في أمر السرد العربي مُفارقة عجيبة تتجلى في وفرَة الإبداع السردي من جهة وقِلة الاعتبار له من جهة أُخرى، ومرد ذلك، كما يقول: “إلى غِطاء التعتيم على التراث السردي العربي، وإهمالِ النقد العربي القديم له”.
ونبه فاروق خورشيد في هذا السياق إلى تَميز النص السردي العربي القديم عن سائر النصوص الأدبية الأخرى، ولذلك فهو يدعوإلى اعتماد مقاييسَ مخصوصصة لإنصاف السرد العربي القديم ولأبراز أبعاده الفنية، يقول: ” دعائمُ النثر الفني عند نقاد الأدب ومؤرخيه: الخطبُ والرسائلُ والأمثالُ والمواعظ والوصايا، فأما القصصُ من أسمارٍ وأخبارٍ ومن أساطيرَ وخُرافاتٍ فليس لها في النثر كبيرُ مَقام، ولا جليلُ اعتبار، وإذا ذكرت فإنما تُذكر تَكملة للعَد والإحصاء والاستقصاء”.
المحاضرة: 4 ــ محور2: أنواع السرود العربية التراثية
المحور الثاني: أنواع السرود العربية التراثية:
1ـــ مدخل: السرد العربي القديم كقسم مستقل بذاته.
2ـــ خطاطة عامة مساعدة لقراءة بعض أشهر النماذج السردية
1 ـــ السرد العربي كقسم مستقل بذاته:
نُصادف في بعض كتب الأدب والنقد والتراجم القديمة، بعضَ الإشارات المُتفرقة تدل في مُجملها على أن السرد العربي القديم قسمٌ مستقل بذاته، له أصوله وخصائصه التي تميزه عن بقية الفنون النثرية القديمة كالخطب والرسائل والوصايا وغير ذلك.
فقد ميز ضياء الدين بن الأثير الكاتب ( نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو الفتح ضياء الدين المعروف بابن الإثير الكاتب ت637هج) بين النثر والمقامة التي كانت تعتبر الظاهرة السردية الكبرى في زمانه، وذلك رغم انتقاده الصريح للمقامات ولأصحابها. فالمقامة تقوم عند ابن الأثير على حِكاية تخرج إلى “مَخْلَص” بخلاف المُكاتبات وما يقابلها من المُجاوبات، فإن معانيها تتجددُ بتجدد الحوادث والأيام، وتكون مرتبطة بالواقع وملابساته أيًما ارتباط.
ويفرقُ ابن الأثير تبعا لذلك، بين طَبع الكاتب وطَبع المَقامي (منشئ المقامات)، وذلك استنادا إلى حِكاية مَشهورة رويت في شأن عجز الحريري (أبو محمد بن القاسم بن علي بن عثمان الحريري الحَرامي البصري ت 516هج)،عن تحرير كتاب ديواني. وهو من هو في صناعة المقامات البديعة.
وقد فسر ابن الأثير عجز الحريري هذا بثلاثة أسباب:
السبب الأول: وفسره بالحالة النفسية التي يكونُ عليها الكاتبُ، وسماها ب” الفُتوح”، فالنظم وحسن الكتابة من الفتوح ” ومازال الناس كذلك تارة يفتح عليهم وتارة لم يفتح، والحريري في ذلك الوقت لم يفتح عليه”.
ويقصد ابن الأثير بالفتوح هنا قوة السليقة وغلبة الطبيعة الأولى التي تفتح للكاتب مغالق الإبداع والابتكار.
السبب الثاني: وفسره بضائِقة الزمن التي تُحيط بالكاتب الرسمي الذي يَعمل في ديوان الإنشاء، وتُفرض عليه فرضا، بينما اتسع الوقتُ للحريري في بيته وهو يكتب المقامات.
السبب الثالث: ويفسره ابن الأثير بضائِقة الموضوع الذي لا عَهْدَ له به ولا مَحيد له عنه إلا بمُباشرة الكتابة الديوانية، داخل مؤسسة ديوان الإنشاء بطقوسها ومراتبها المعروفة.
أما الكاتب الأندلسي ابن عَميرة ( أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين ابن عميرة المخزومي ت656هج) فيقدمُ لنا تفسيرا آخرَ للتمييز بين المقامة والنثر، انطلاقا من تجربته الخاصة، وذلك استنادا إلى خاصية الحَكي التي تقوم عليها المقامة. فقد سُئل ابن عَميرة السؤالَ التالي: لأي شيء ما لم تَصنع المقامات؟ فقال مجيبا: ” أما الألفاظُ فما أُغلَب عليها، وأما تلك الأكاذيب التي تكذبها فما أحسن أن أصنع مثلها”.
ويقصد ابن عَميرة بالأكاذيب تلك الحكايات العجيبة التي يخترعها السارد اختراعا، وتلك الحكايات هي عمود السرد العربي القديم وجوهره، وقد أقر ابن عميرة رغم اقتداره الكبير في صناعة الكتابة أو الإنشاء عن الإتيان بمثلها.
ويُستنتج من موقف ابن الأثير الكاتب والناقد ، ومن موقف ابن عميرة الكاتب والفقيه والقاضي والرحالة، أن الحيز الذي يصدر عنه السارد وهو يحكي ويفتعل، غير حيز الكاتب الذي يصدر عنه وهو يُحَبًِر أو يُدَبًِج.
أما صلاح الدين الصفدي ( أبو الصفاء خليل بن أيبك بن عبد الله الألبكي الغاري الصفدي الدمشقي ت 764هج بالطاعون، وكان قد تعاطى الرسم على القماش، طبع له أكثر من عشرين مصفا)، ولشده إعجابه بالمقامات فقد عَدَْها كتاب عِلم في بابه، ” وقد ظلمها من جعلها من باب الترسل أو جعل الترسل جزء منها”.
ويقصد بالترسل هنا النثر الفني الذي يستجيب لمجموعة من الخصائص الفنية والجمالية المثبتة في كتب نقد النثر وفي المجاميع النثرية الرفيعة.
ولم يكتف الصفدي بالتفريق بين الكتابة أو النثر الفني والمقامة كنوع نثري متميز، بل لقد انتبه إلى وظيفة السرد المقامي في تعليم صناعة الكتابة نفسها، ومن هنا كان رده العنيف على ضياء الدين بن الأثير عندما انتقد أسلوب المقامة الصناعي، قال الصفدي عن أهمية المقامة في نظره وفي نظر معاصريه من العرب والفرنج: ” ولقد رأيت بعضهم يزعم أنها – المقامة – رُموز في الكيمياء، ويُحكى أن الفِرنجة يقرءونها على ملوكهم بلسانهم ويصورونها ويتنادمون بحكاياتها، وما ذاك إلا أن هذا الكتاب أحدُ مظاهره تلك الحكايات المُضحكة والوقائعُ التي إذا شرع الإنسان بالوقوف عليها تطلعت نفسه إلى ما تنتهي إليه، وتشوفَت نفسُه إلى الوقوف على آخر تلك القصة، هذا إلى ما فيها من الحِكم والأمثال التي تُشاكل كتاب “كليلة ودمنة” وإلى ما فيها من أنواع الأدب وفنونه المختلفة وأساليبه المتنوعة”.
فالمفاهيم والوظائف والغايات والمصطلحات التي يعرضها الصفدي في هذا الكلام الموجز خالصة للسرد وليست لها علاقة بمجال الكتابة أو الترسل، ولو تم البناء عليها لتغير موقف القدماء، ولكان للسرد العربي القديم شأن آخر ممارسة وتنظيرا.
المحاضرة: 5 ــ خطاطة عامة لأشهر النماذج السردية العربية القديمة
خُطاطة عامة مُساعدة لقراءة أشهر النماذج السردية العربية القديمة:
ازداد، في الآونة الأخيرة، اهتمام الدارسين المعاصرين بالسرد، وتنوعت عناوين مؤلفاتهم، نذكر منها علي سبيل المثال، بالإضافة إلى كتب كليوطو وسعيد يقطين بالمغرب ومحمد طرشونة بتونس:
§ قصصنا الشعبي، لفؤاد علي حسنين
§ الأدب القصصي عند العرب، لسليمان موسى
§ السردية العربية، عبد الله إبراهيم
§ جماليات السردية التراثية، لمي أحمد يوسف
§ موسوعة السرد العربي، لعبد الله إبراهيم، وغير ذلك.
أما الحقول السردية التي تناولتها دراسات المحدثين فنذكر منها: الحكاية الشعبية، الحكاية التاريخية، الحكاية العجائبية، المنام، النادرة، الأخبار، النوادر، الحكايات القصصية، الأمثال، المسامرات، قصص الحيوان، الرحلات، السير، الحُمق ،الجنون، التغفيل، وغير ذلك،
وهذا الاهتمام المتزايد بالسرد العربي القديم يفرض علينا السؤال التالي: إلى أي حد يمكن أن يكون الراوي في سرده مُنافسا للشاعر في نظمه أو للكاتب في إنشائه وتأليفه؟ وما هي أنواع السرود وأصناف الرواة وطبقات المروي لهم؟، والجواب عن هذه الإسئلة نعرضه بشكل ضمي من خلال الخطاطة التالية:
§ السرد اللغوي المَقامي: وهو الذي تغلب فيه الصناعات اللغوية والفنية على غيرها، فقد جرب أصحاب هذا اللون كل الإمكانيات الفنية التي أتاحتها اللغة العربية في زمنهم، وهذا دون الإخلال بجوانب الحكي الخِصبة. ويمكن أن نجمل عناصر السرد اللغوي السبعة فيما يلي: اللغة، الراوي، البطل النموذجي، الحكاية (بشخوصها وخلفياتها وزمانها ومكانها)، والموقف بحيلته، والتعرف بنهايته، والأمثولة الأدبية التي تمثل خلاصة المقامة بزبَدها وزُبدها، والدرس الذي يمليه السارد على المتلقي بطريقة غير مباشرة.
أما النصوص السردية التي تمثل السرد اللغوي فهي كثيرة، ونذكر من أهمها:
– مقامات بديع الزمان الهمداني ( أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد ت 395هج افتخر بأصله العربي وبعروبته رغم أنه ولد في بلاد أعجمية همدان)، ومقامات الهمداني هي الأكثرُ أصالة وعُمقا وصدقا من بين سائر المقامات العربية والأجنبية، وخاصة إذا ما قُرئت في ضوء حياة الهمداني وسيرته ورسائله وأشعاره.
– مقامات الحريري وهي الأكثر احترافية وصنعة إلى درجة جعلت الناس يفتتِنون بها ويرحلون في طلبها من أصقاع نائية، ثم يعكفون بعد ذلك على حفظها وشرحها واستجلاء غوامضها واستنباط أسرارها وعلومها خلال مراحل طويلة لم ينقطع سند روايتها وضبطها بالحريري نفسه، ولعل هذا ما يفسر انتشار مخطوطاتها في كثير من مكتبات العالم، ولعل شرح الشريشي الأندلسي المشهور والضخم خير دليل على أهميتها ومكانتها في تاريخ الأدب العربي مَشرقا ومَغربا.
– مقامات السرقُسطي اللزومية ( أبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطي التميمي الأندلسي ت 538هج.
وقذ حذا فيها على نهج الحريري حذو النعل بالنعل، في مُجمل معانيها وأشكالها الصناعية والزخرفية، غير أنه أضاف إليها تلوينات جديدة جلبها من لزوميات المعري، وبذلك تكون مقاماته قد جمعت بين مؤثرات المعري والحريري دُفعة واحدة على غرار كثير من كتاب أهل المغرب والأندلس الذين جمعوا في كتاباتهم وأشعارهم بين مؤثرات أدبية عدة، تبتدئ ببشار بن برد وأبي نواس ومسلم بن الوليد وابن المعتز، مرورا بأبي تمام والمتنبي والمعري والخطيب الحَصكَفي وانتهاء بالعماد الأصفهاني والقاضي الفاضل.
§ السرد اللغوي شَبيه المقامة: وهو نوع يتخفف كثيرا من أثقال الصناعة ومساحيق الزخرف، من جهة، ثم لا يلتزم بجميع العناصر السبعة المكونة لهيكل المقامة. ونمثل له بالمقامات الوعظية للزمخشري( أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري ت 538هج). (والمقامات الغزلية للشاب الظريف (محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني شمس الدين ت688هج).
§ المقامات التعليمية، وهي تلك المقامات التي تخص فنونا وعلوما أخرى غير الأدب: شعره ونثره، فأسلوبها أسلوب مقامي، وغايتها غاية تعليمية قد تبعد بنا عن روح الأدب وجوهره، وهي أشبه ما تكون بالمنظومات التعليمية، هدفها الأساسي تلقين العلوم بغلاف أدبي شفاف ممتع يساعد على الحفظ والاستظهار، ونمثل لهذا النوع بالمقامة الإنشائية للقلقشندي ( أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي ت 821هج) التي صب فيها كثيرا من العلوم المتعلقة بصناعة الإنشاء التي وردت في كتابه صبح الأعشى،على وجه الإجمال والاختصار، وكذلك الأمر بالنسبة للمقامة التاريخية لابن الوردي ( مظفر ب عمر بن محمد بن أبي الفوارس المعري البكري ت 749هج)، وغير ذلك.
§ السرد الرسَائلي: وهو سرد يستعير من أسلوب الرسائل وتقاليدها الخَطابية الثنائية التي تخص طبيعة العلاقة بين المُرسِل والمُرسَل إليه، على وجه الإنبساط والإسماح والدًُعابة والتظَرًُف، ولذلك كان يُنعت هذا النوع من السرد بأدب المُفاكهة، ويتمثل أكثر ما يتمثل في رٍسالة الغفران للمعري (أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنًُوخي المعَري ت 449هج)، والتوابع والزوابع لابن شهيد( أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شُهيد ت 526هج) والمنامُ الكبير لركن الدين الوهراني( أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني ت 575هج).
والملاحظ أن الأبعاد الأدبية والفنية والفكرية والسياسية والذاتية واضحة وقوية في هذا النوع، مما يُحتاج معه إلى دراسة مُعمقة قصد الإجابة عن الأسئلة الكبرى التي يُضمرها هذا النوع من السرد. إنه سرد يقع في المحل الأدبي الرفيع.
§ السرد الخُرافي، وهو سرد تُغلفه الأسرار والرموز والإشارات، ولذلك فهو يحتمل قراءتين: إحداهما بسيطة وسطحية لا تستعصي حتى على الأطفال الصغار، وأخرى عميقة لا يستجلي بواطنَها إلا العارفون بأسرارها الكامٍنة وراء السطور. ونمثل لهذا النوع بكتاب كليلة ودمنة لابن المقفع ( أبو محمد عبد الله روزبه بن داذويه ت 142هج)، وسُلوان المُطاع لابن ظفر الصًِقلي ( محمد ب ظفر الصقلي ت 567 هج).
§ السرد القََصصي الصوفي، أو ما يعرف بسرد مَنطق الطير ومُختلِف الكائنات الحية والجامدة، وفيه أبعاد رمزية واستعارية صوفية موغلة، حيث الإسقاط والحلول، وحيث تتجاوب أسرارُ الحِكمة التي يبثها السارد هنا على ألسنة كائات وجمادات ترمز إلى قدرة الله عز وجل على الخلق والتصرف، ويمكن أن نمثل لهذا النوع بكتاب ” كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار” لابن غانم المقدسي ( عبد السلام بن أحمد ب غانم المقدسي ت678هج).
§ السرد القصصي الفلسفي، وهو سرد اختص بها أهلُ المَعارف الفلسفية العميقة التي تبحث أمورَ الكُليات لا الجزئيات، والجواهرَ لا الأعراض، ويمكن أن نمثل لهذا النوع من السرد الذي يكاد يكون خاصة بأصحاب المعارف الفلسفية ب ” رسائل إخوان الصفا” و” حي بن يقظان” لابن طفيل( أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي ت 581هج).
§ السرد الإِخباري: وغايته الأساسية إمتاع القارئ بالنوادر والأخبار العجيبة، ولا يهتم الإخباري في هذا النوع من السرود بالخبر في حد ذاته بقدرما يهتم بالمَساق وبالطرق والقوالب الفنية التي يُصاغ بها هذا الخبر أو ذاك حتى يكون مقبولا مُحببا وسائِغا، وهذا المَساق العجيب هو الذي يُخرج الخبرَ من رتابته وبساطته ليكون بمنطق السرد أولى، ونماذجُه كثيرة في الأدب العربي القديم وأوضح مثال عليه كتاب ” الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني ( علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي ت 356هج)، بالإضافة إلى أخبار العشاق والعقلاء والمجانين والحمقى والنوكى والمغفلين وغير ذلك كثير…
§ السرد القصصي الشعبي، وهو سرد تنعدِمُ فيه شخصية السارد الأوحد ليصبح مِلكا للمجوعة الساردة وللضمير الجمعي السارد، تعبيرا عن الوِجدان المشترك لأمة كاملة إزاء ما تمر به من مشاكل وتحديات، ولذلك فالبطل في الحكاية الشعبية هو نموذج البطل الخارق الذي يَقهر ولا يُقهر ويَغلِب ولا يُغلَب، ونمثل له ب “ألف ليلة وليلة” وبالحكايات الشعبية الكثيرة المعروفة.
§ السير الشعبية، وفيه تتحول الشخصيات البشرية العادية إلى شخصيات أسطورية خارقة تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتصنع العجائب التي قد تستحيل حتى على مجرد التوهم، ونمثل لها ب سيرة عنترة، والمهلهل الزير سالم، وبالسيرة الهلالية، وبسِيرالشًُطًَار والعَيًَارين، كسيرة أحمد الزيبق، وحمزة البهلوان على سبيل المثال.
ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض السير الذاتية يُمكن أن تتلقفها العامة وتطبعُها بالخصائص الشعبية كما هو الحال بالنسبة لكتاب ” الاعتبار” لأسامة بن منقذ ( مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ ت 584هج)، حيث أن أسلوب هذه السيرة، كما وصلنا، نازِل بكثير عن أسلوب أُسامة المعروف في شعره وباقي كتبه ومصنفاته المشهورة.